بسم الله الرحمن الرحيم إنّ الفرق الرئيسي بين رسالات الله وبين المبادئ الوضعية المصاغة من قبل التصورات البشرية ووساوس الشيطان؛ إنّ رسالات الله صادرة عن خالق الكون، وإنها تمتاز بالشمولية. في حين أنّ القوانين والنظريات الوضعية تحاول وتسعى إلى تبرير الأهواء والشهوات، وتغليفها بأغلفة أول صفاتها الكيد والخداع..
فإنّك إذا طالعت الفلسفة اليونانية عموماً، ستجدها قائمة على أساس العنصرية ومصبوغة بصبغتها. فهي -دون ريب- متأثرة أوّلاً وآخراً بطبيعة الأرض والمجتمع الصادرة عنهما. ولعل المجتمعات والشعوب والحضارات الأخرى التي حاولت اقتباس الفلسفة اليونانية والتشبث بها، قد عانت ما عانت، ودفعت الثمن غالياً، إذ هي لم تأخذ بالحسبان نقاط التفاوت والافتراق بين طبيعتها وثقافتها وتقاليدها، وبين ما تمتاز الأرض والمجتمع والتاريخ في اليونان، هذا بغضّ النظر عن مدى صلاحية ومصداقية أو عقم هذه الفلسفة.
ولنأخذ مثالاً آخر من تأريخنا الحديث؛ وهو الثورة الفرنسية، إذ لم تكن سوى تجسيد مباشر لتطلعات الشعب نحو الحرية والديمقراطية. ففعل المنتصرون ما فعلوا، وسقطت الملكية الفرنسية فحسب. ولا يمكن بحال من الأحوال أن نسمي هذه الثورة بالثورة العالمية، فما هي إلاّ ثورة فرنسية اقتصرت على بقعة جغرافية محدودة في زمن محدود، انتهت إلى الإحساس بضرورة خضوع الشعوب الأخرى للسلطة الفرنسية الجديدة. فكانت الصراعات الاستعمارية وإبادة الشعوب وانتهاك الحرمات والمقدّسات. وقد أثبتت لنا التطورات، واثبت لنا التاريخ كيف عجزت المجتمعات المبهورة بهذه الثورة عن اقتباس مبادئ الثورة الفرنسية وتطبيقها لها، وكيف أنّها -تلكم المجتمعات- عجزت حتى عن التمسك بأصالتها، ففقدت الفرصتين، فحلّت فيها الفوضى واستلاب العقل.
ولكنّ مبادئ الرسالة وبصائر الحق التي جاءت في القرآن الكريم وعلى لسان النبي المصطفى صلى الله عليه وآله، لا تتأثر بالأرض أو الحتميات التأريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقومية والعنصرية، بل إنّها تهدف إلى خلق إنسان وواقع جديدين، مع احترام كل ما هو إيجابي لدى العقل الإنساني والفطرة البشرية المجردة، التي هي من نعم الله العظيمة.